فتح
جزر اليونان ومدينة أوترانت وحصار رودوسمدفع هاون استخدمه فرسان القديس يوحنا الأورشليمي في قتال
العثمانيين.
بعد أن تم الصلح مع البنادقة، وُجهت الجيوش إلى بلاد
المجر لفتح إقليم
ترانسلفانيا، فقهرها "كينيس"
كونت مدينة "تمسوار" بالقرب من مدينة "كرلسبرغ" في
13 أكتوبر سنة
1476، وقُتل في هذه الموقعة كثير من العثمانيين
وارتكب المجر فظائع وحشية بعد الانتصار، فقتلوا جميع الأسرى ونصبوا موائدهم
على جثثهم.
[91] وفي سنة
1480 فُتحت جزر
اليونان الواقعة بين بلاد اليونان و
إيطاليا، وبعدها سار
أمير البحر "كدك أحمد باشا" بمراكبه لفتح مدينة
"أوترانت" بجنوب إيطاليا، التي كان عزم السلطان على فتحها جميعها. ويُقال
أنه أقسم بأن يربط
حصانه في
كنيسة القديس بطرس بمدينة
روما، مقر
البابا، ففُتحت مدينة "أوترانت"
عنوة في يوم
11 أغسطس سنة
1480م، الموافق
4 جمادى الثانية سنة
885هـ.
[91]وفي هذا الحين كان قد أرسل أسطولاً بحرياً آخر لفتح
جزيرة رودوس، التي كانت مركز
رهبنة القديس "يوحنا الأورشليمي"، وكان رئيسها آنذاك
"بيير دو بوسون"
الفرنسي الأصل، وكانت الحرب قائمة بينه وبين سلطان
مصر و
باي تونس، فاجتهد في إبرام الصلح معهما ليتفرغ لصدّ
هجمات الجيوش العثمانية.
[91] وكانت هذه الجزيرة محصنة تحصيناً منيعاً، وابتدأ العثمانيون حصارها في يوم
23 مايو سنة
1480م، الموافق
13 ربيع الأول سنة
885هـ، وظلّت
المدافع تقذف عليها
القنابل الحجرية تهدّم أسوارها، لكن كان يُصلح سكانها في
الليل كل ما تخربه المدافع في
النهار، ولذلك استمر حصارها ثلاثة أشهر حاول العثمانيون
خلالها الاستيلاء على أهم قلاعها، واسمها قلعة القديس نيقولا، بدون جدوى.
[91] وفي يوم
28 يوليو سنة
1480م، الموافق
20 جمادى الأولى سنة
885هـ، أمر
القائد العام بالهجوم على
القلعة ودخولها من الفتحة التي فتحتها المدافع في
أسوارها، فهجمت عليها الجيوش وقاوم المدافعون بكل بسالة وإقدام. وبعد أخد
وردّ، تقهقر
العثمانيون بعد أن قُتل وجُرح
منهم كثيرون، ورفع الباقون عنها الحصار.
[91] ترتيبات
السلطان الداخلية اهتمامه
بالمدارس والمعاهدالصورة "الرسميّة" للسلطان محمد الفاتح، الموضوعة ضمن صور قائمة السلاطين
العثمانيين، والتي غالبا ما توضع في الكتب التي تتحدث عنه.
كان محباً لل
علم و
العلماء، لذلك اهتم ببناء
المدارس و
المعاهد في جميع أرجاء دولته، وفاق أجداده في هذا
المضمار، وبذل جهوداً كبيرة في نشر العلم وإنشاء دور التعليم، وأدخل بعض
الإصلاحات في نظام التعليم وأشرف على تهذيب المناهج وتطويرها، وحرص على نشر
المدارس والمعاهد في كافة المدن والقرى وأوقف عليها الأوقاف العظيمة.
نظّم هذه المدارس ورتّبها على درجات ومراحل، ووضع لها المناهج، وحدد
العلوم والمواد التي تُدرّس في كل
مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات الدقيقة للانتقال للمرحلة التي تليها،
وكان ربما يحضر امتحانات الطلبة ويزور المدارس ولا يأنف من سماع الدروس
التي يلقيها الأساتذة، ولا يبخل بالعطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة،
وجعل التعليم في كافة مدارس الدولة بالمجان، وكانت المواد التي تدرس في تلك
المدارس:
التفسير وال
حديث وال
فقه الأدب البلاغة وعلوم اللغة
الهندسة، وأنشأ بجانب مسجده الذي بناه
بالقسطنطينية ثمان مدارس على كل جانب من جوانب
المسجد يتوسطها صحن فسيح، وفيها يقضي الطالب المرحلة الأخيرة من دراسته،
وألحقت بهذه المدارس مساكن الطلبة ينامون فيها ويأكلون طعامهم ووضعت لهم
منحة مالية شهرية، وأنشأ بجانبها
مكتبة خاصة وكان يُشترط في الرجل الذي يتولى أمانة هذه
المكتبة أن يكون من أهل العلم والتقوى متبحراً في أسماء الكتب والمؤلفين،
وكانت مناهج المدارس تتضمن نظام التخصص، فكان للعلوم النقلية والنظرية قسم
خاص وللعلوم التطبيقية قسم خاص أيضاً.
اهتمامه
بالعلماءقرّب العلماء ورفع قدرهم وشجعهم على العمل والإنتاج وبذل لهم الأموال
ووسع لهم في العطايا والمنح والهدايا وكرّمهم غاية الإكرام، ولما هزم
"أوزون حسن"، أمر السلطان بقتل جميع الأسرى إلا من كان من العلماء وأصحاب
المعارف ليستفاد منهم.
كان من مكانة الشيخ "
أحمد الكوراني" أنه كان يخاطب السلطان باسمه
ولا ينحني له، ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وكان لا يأتي إلى السلطان
إلا إذا أرسل إليه، وكان يقول له: "مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك
بالاحتياط". وكذلك بالنسبة للشيخ "آق شمس الدين" الذي درّس السلطان محمد
الفاتح العلوم الأساسية في ذلك الزمن وهي
القرآن الكريم و
السنة النبوية الفقه والعلوم الإسلامية و
اللغات العربية، و
الفارسية و
التركية وكذلك في مجال العلوم العلمية من
الرياضيات و
الفلك التاريخ الحرب،
وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى
إمارة "
أماسيا" ليتدرب على إدارة الولاية، وأصول الحكم.
واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يقنع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث
النبوي: "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".
وكان الشيخ آق شمس الدين أول من ألقى خطبة الجمعة في مسجد
آيا صوفيا.
[92] وكان السلطان محمد الفاتح يحب شيخه شمس الدين حباً عظيماً، وكانت له مكانة
كبيرة في نفسه وقد بين السلطان لمن حوله -بعد الفتح-: "إنكم ترونني فرحاً.
فرحي ليس فقط لفتح هذه القلعة إن فرحي يتمثل في وجود شيخ عزيز الجانب، في
عهدي، هو مؤدبي الشيخ آق شمس الدين". وعبّر السلطان عن مهابته لشيخه في
حديث له مع وزيره "محمود باشا"، حيث قال: "إن احترامي للشيخ آق شمس الدين،
احترام غير اختياري. إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة".
[93] اهتمامه
بالشعراء والأدباءرسم للسلطان محمد الفاتح وهو يشم
رائحة زهرة، من كتاب رسومات السلاطين من قصر
الباب العالي.
كان
شاعراً مجيداً مهتماً
بالأدب عامة وال
شعر خاصة، وكان يصاحب الشعراء ويصطفيهم،
[94] واستوزر الكثير منهم، وكان في بلاطه ثلاثون شاعراً يتناول كل منهم راتباً
شهرياً قدره ألف
درهم، وكان مع هذا ينكر على الشعراء التبذل والمجون
الدعارة ويعاقب من يخرج عن الآداب
بالسجن أو يطرده من بلاده.
[عدل] اهتمامه
بالترجمةأتقن
اللغة اليونانية وست لغات أخرى عندما كان بلغ من
العمر 21 عاماً، أي في السنة التي فتح فيها
القسطنطينية،
[8][9] وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية و
اللاتينية و
العربية و
الفارسية إلى
اللغة التركية، ونقل إلى
التركية كتاب التصريف في الطب
للزهراوي، وعندما وجد كتاب
بطليموس في
الجغرافيا وخريطة له طلب من
العالم الرومي "جورج أميروتزوس" وابنه أن يقوما بترجمته إلى العربية وإعادة
رسم الخريطة باللغتين العربية واليونانية وكافأهما على هذا العمل بعطايا
واسعة، وقام العلامة القوشجي بتأليف كتاب بالفارسية ونقله للعربية وأهداه
للفاتح.
كما كان مهتماً باللغة العربية فقد طلب من المدرسين بالمدارس الثماني أن
يجمعوا بين الكتب الستة في تدريسهم وبين
علم اللغة كالصحاح.. ودعم
الفاتح حركة
الترجمة والتأليف لنشر المعارف بين رعاياه بالإكثار من
نشر المكاتب العامة وأنشأ له في قصره خزانة خاصة احتوت على غرائب الكتب
والعلوم، وكان بها اثنا عشر ألف
مجلد عندما احترقت.
اهتمامه
بالعمران والبناء والمستشفياتمسجد السلطان محمد الفاتح.
آيا صوفيا، المآذن الأربعة تم بنائها بعد فتح
القسطنطينية وتحويل
الكنيسة إلى
مسجد.
كان السلطان محمد الفاتح مغرماً ببناء
المعاهد و
القصور و
المستشفيات والخانات و
الحمامات و
الأسواق الكبيرة و
الحدائق العامة،
[95] وأدخل المياه إلى المدينة بواسطة قناطر خاصة. شجع الوزراء وكبار رجال
الدولة والأغنياء والأعيان على تشييد المباني وإنشاء الدكاكين والحمامات
وغيرها من المباني التي تعطي المدن بهاء ورونقاً، واهتم بالعاصمة
"إسلامبول" اهتماماً خاصاً، وكان حريصاً على أن يجعلها "أجمل عواصم العالم"
و"حاضرة العلوم والفنون".
كثر العمران في عهد الفاتح وانتشر، واهتم بدور الشفاء، ووضع لها نظاماً
مثالياً في غاية الروعة والدقة والجمال، فقد كان يعهد بكل دار من هذه الدور
إلى
طبيب – ثم زيد إلى اثنين – من حذاق الأطباء من أي جنس
كان، يعاونهما كحال و
جراح و
صيدلي وجماعة من الخدم والبوابين، ويشترط في جميع
المشتغلين بالمستشفى أن يكونوا من ذوي القناعة والشفقة والإنسانية، ويجب
على الأطباء أن يعودوا المرضى مرتين في اليوم، وأن لاتصرف الأدوية للمرضى
إلا بعد التدقيق من إعدادها، وكان يشترط في
طباخ المستشفى أن يكون عارفاً بطهي الأطعمة والأصناف التي
توافق المرضى منها، وكان العلاج و
الأدوية في هذه المستشفيات بالمجان ويغشاها جميع الناس
بدون تمييز بين أجناسهم وأديانهم.
ولعلّ أبرز أثار السلطان العمرانية هو قصر
الباب العالي الذي أمر بالبدء ببنائه قرابة عقد
الستينات من
القرن الخامس عشر،
إضافة إلى مسجده الذي حمل اسمه، و
آيا صوفيا بطبيعة الحال التي أمر بتحويلها من كنيسة
إلى مسجد.
الاهتمام
بالتجارة والصناعةاهتم السلطان محمد الفاتح
بالتجارة الصناعة وعمل على إنعاشهما بجميع الوسائل والعوامل
والأسباب.
[95] وكان
العثمانيون على دراية واسعة
بالأسواق العالمية، وبالطرق البحرية والبرية وطوروا الطرق القديمة، وأنشؤوا
الجسور الجديدة مما سهل حركة التجارة في جميع أجزاء الدولة، واضطرت الدول
الأجنبية لمسايسة الدولة العثمانية ليمارس رعاياها حرفة التجارة في الموانئ
المهمة العديدة في ظل الراية العثمانية. كان من أثر السياسة العامة للدولة
في مجال التجارة والصناعة أن عم الرخاء وساد اليسر والرفاهية في جميع
أرجاء الدولة، وأصبحت للدولة عملتها الذهبية المتميزة، ولم تهمل الدولة
إنشاء دور الصناعة ومصانع
الذخيرة و
الأسلحة، وأقامت
القلاع و
الحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية في البلاد.
[عدل] الاهتمام
بالتنظيمات الإداريةعمل السلطان محمد الفاتح على تطوير دولته؛ ولذلك قنن قوانين حتى يستطيع
أن ينظم شؤون الإدارة المحلية في دولته، وكانت تلك القوانين مستمدة من
الشريعة الإسلامية.
شكل السلطان محمد لجنة من خيار العلماء لتشرف على وضع "قانون نامه" المستمد
من الشريعة المذكورة وجعله أساساً لحكم دولته، وكان هذا القانون مكوناً من
ثلاثة أبواب، يتعلق بمناصب الموظفين وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ من
التشريفات والاحتفالات السلطانية وهو يقرر كذلك العقوبات والغرامات، ونص
صراحة على جعل الدولة حكومة إسلامية قائمة على تفوق العنصر الإسلامي أياً
كان أصله وجنسه.
اهتم محمد الفاتح بوضع القوانين التي تنظم علاقة السكان من غير المسلمين
بالدولة ومع جيرانهم من المسلمين، ومع الدولة التي تحكمهم وترعاهم، وأشاع
العدل بين رعيته، وجدّ في ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، وأجرى عليهم أحكام
الإسلام، فاستتب الأمن وسادت الطمأنينة في ربوع
الدولة العثمانية. وعندما كانت الدولة تعلن
الجهاد وتدعوا أمراء
الولايات وأمراء الألوية، كان عليهم
أن يلبوا الدعوة ويشتركوا في الحرب بفرسان يجهزونهم تجهيزاً تاماً، وذلك
حسب نسب مبينة، فكانوا يجهزون فارساً كامل السلاح قادراً على القتال عن كل
خمسة آلاف آقجه من إيراد اقطاعه، فإذا كان إيراد إقطاعه خمسمائة ألف آقجة
مثلاً كان عليه أن يشترك بمائة فارس، وكان جنود الإيالات مؤلفة من مشاة
وفرسان، وكان المشاة تحت قيادة وإدارة
باشوات الإيالات وبكوات الألوية. قام محمد الفاتح بحركة
تطهير واسعة لكل الموظفين القدماء غير الأكفاء وجعل مكانهم الأكفاء، واتخذ
الكفائة وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته.
اهتمامه
بالجيش والبحريةسيف السلطان محمد الفاتح في قصر
الباب العالي.
رسم لجندي من
الإنكشارية في
القرن الخامس عشر،
بريشة "جنتيلي بلليني".
تميز عصر السلطان محمد الفاتح بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي،
بإنشاءات عسكرية عديدة متنوعة،
[95] فأقام دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من
الملابس والسروج و
الدروع ومصانع
الذخيرة و
الأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية
العسكرية، وكانت هناك تشكيلات متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان
ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من
وقود و
غذاء و
علف لل
حيوان وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال.
كان هناك صنف من الجنود يسمى، "لغمجية" وظيفته الحفر
للألغام وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد الاستيلاء عليها وكذلك
السقاؤون كان عليهم تزويد الجنود بالماء. تطورت الجامعة العسكرية في زمن
الفاتح وأصبحت تخرج الدفعات المتتالية من
المهندسين و
الأطباء و
البيطريين و
علماء الطبيعيات والمساحات، وكانت تمد الجيش
بالفنيين المختصصين. استحق معه أن يعده المؤرخون مؤسس الأسطول البحري
العثماني، ولقد استفاد من الدول التي وصلت إلى مستوى رفيع في صناعة
الأساطيل مثل الجمهوريات الإيطالية وبخاصة
البندقية و
جنوة، أقوى الدول البحرية في ذلك الوقت.
اهتمامه
بالعدلإن إقامة العدل بين الناس كان من واجبات السلاطين العثمانيين، وكان
السلطان محمد شأنه في ذلك شأن من سلف من آبائه – شديد الحرص على إجراء
العدالة في أجزاء دولته، ولكي يتأكد من هذا الأمر كان يرسل بين الحين
والحين إلى بعض
رجال الدين من النصارى بالتجوال والتطواف في أنحاء الدولة،
ويمنحهم مرسوماً مكتوباً يبين مهمتهم وسلطتهم المطلقة في التنقيب والتحري
والاستقصاء لكي يطلعوا كيف تساس أمور الدولة وكيف يجري ميزان العدل بين
الناس في
المحاكم، وقد أعطى هؤلاء المبعوثون الحرية الكاملة في
النقد وتسجيل ما يرون ثم يرفعون ذلك كله إلى السلطان.
كانت تقرير هؤلاء المبعوثين المسيحيين تشيد دائماً بحسن سير المحاكم
وإجراء العدل بالحق والدقة بين الناس بدون محاباة أو تمييز، وكان السلطان
الفاتح عند خروجه إلى الغزوات يتوقف في بعض الأقاليم وينصب خيامه ليجلس
بنفسه للمظالم ويرفع إليه من شاء من الناس شكواه ومظلمته. اعتنى الفاتح
بوجه خاص
برجال القضاء الذين يتولون الحكم
والفصل في أمور الناس، فلا يكفي في هؤلاء أن يكونوا من المتضلعين في الفقه
والشريعة والاتصاف بالنزاهة والاستقامة وحسب بل لا بد إلى جانب ذلك أن
يكونوا موضع محبة وتقدير بين الناس، وأن تتكفل الدولة بحوائجهم المادية حتى
تسد طرق الإغراء والرشوة، فوسع لهم الفاتح في عيشهم كل التوسعة، وأحاط
منصبهم بحالة مهيبة من الحرمة والجلالة والقداسة والحماية. أما القاضي
المرتشي فلم يكن له عند الفاتح من جزاء غير
القتل.
كان السلطان الفاتح - برغم اشتغاله بالجهاد والغزوات - إلا أنه كان
يتتبع كل ما يجري في أرجاء دولته بيقظة واهتمام، وأعانه على ذلك ما حباه
الله من ذكاء قوي وبصيرة نفاذة وذاكرة حافظة وجسم قوي، وكان كثيراً ما ينزل
بالليل إلى الطرقات والدروب ليتعرف على أحوال الناس بنفسه ويستمع إلى
شكاواتهم بنفسه، كما ساعده على معرفة أحوال الناس جهاز أمن الدولة الذي كان
يجمع المعلومات والأخبار التي لها علاقة بالسلطنة وترفع إلى السلطان الذي
كان يحرص على دوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها والتماس الإحاطة
بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها.
زوجاته
وأولادهتزوج السلطان محمد الفاتح بعدد من النساء، كانت أولهن
والدة ولي العهد، "أمينة گلبهار" أي "أمينة وردة الربيع"، وهي من
الروم الأرثوذكس،
[20] نبيلة الجذور من قرية "دوفيرا" في
طرابزون،
[20] توفيت عام
1492، وهي والدة السلطان
بايزيد الثاني.
كذلك اتخذ السلطان زوجة من كل من "السلطانة گيفر"؛ "غولشان خاتون"؛
"ستّي مكرم خاتون"؛ "خاتون شيشك"؛ "هيلينا خاتون"، ابنة أحد الملوك الروم
المتوفاة عام
1481، و"آنا خاتون" ابنة إمبراطور طرابزون، التي
تزوجها السلطان لفترة قصيرة؛ و"خاتون أليكسياس"، إحدى الأميرات البيزنطيات.
وكان للسلطان ابن أخر هو "جم" المعروف بالغرب باسم "زيزيم"، والذي توفي
سنة
1495.
وفاته
وذكراهجسر السلطان محمد الفاتح.
توسّع الدولة العثمانية في أيام السلطان محمد الفاتح، من عام
1451 حتى عام
1481.
قاد السلطان حملة لم يحدد وجهتها، لأنه كان شديد الحرص على عدم كشف
مخططاته العسكرية حتى لأقرب وأعز قواده. وقد قال في هذا الصدد عندما سئل
مرة: "لو عرفته شعرة من لحيتي لقلعتها"، لكن المؤرخون يخمنون بأنها كانت
إلى
إيطاليا. عرض أهل
البندقية على طبيبه الخاص "
يعقوب باشا" أن يقوم هو
باغتياله، ولم يكن يعقوب مسلما عند الولادة فقد ولد
بإيطاليا، وقد ادعى الهداية، وأسلم. بدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان،
ولكن عندما علم بأمر الحملة زاد جرعة
السم.
وتوفى السلطان في يوم
3 مايو عام
1481م، الموافق
4 ربيع الأول سنة
886هـ عن ثلاث وخمسين سنة،
[95] ومدة حكمه 31 عاما، قضاها في حروب متواصلة للفتح وتقوية الدولة وتعميرها،
وأتم في خلالها مقاصد أجداده، ففتح
القسطنطينية وجميع ممالك وأقاليم
آسيا الصغرى و
الصرب و
البشناق و
ألبانيا، وحقق كثيرا من المنجزات الإدارية الداخلية
التي سارت بدولته على درب الازدهار ومهدت الطريق أمام السلاطين اللاحقين
ليركزوا على توسيع الدولة وفتح أقاليم جديدة. ومن مآثره أيضا وضعه أول
مبادئ
القانون المدني و
قانون العقوبات، فأبدل
العقوبات البدنية، أي العين بالعين والسنّ بالسنّ، وجعل عوضها الغرامات
النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان
سليمان القانوني لاحقا.
[96]قبر السلطان محمد الفاتح.
خلفية ورقة الألف ليرة التركية (1986-1992).
وقد انفضح أمر يعقوب فيما بعد،
فأعدمه حرس السلطان. وهناك اعتقاد
أخر ينص على أن من دفع يعقوب ليدس السم للسلطان كان إبنه
بايزيد الثاني رغبة منه بتولي العرش.
[97] وصل خبر موت السلطان إلى
البندقية بعد 16 يوما، جاء الخبر في رسالة البريد
السياسي إلى
سفارة البندقية في القسطنطينية، واحتوت الرسالة على هذه
الجملة "لقد مات النسر الكبير". انتشر الخبر في البندقية ثم إلى باقي
أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة
ثلاثة أيام بأمر من
البابا.
[98]دُفن السلطان في المدفن المخصوص الذي أنشأه في أحد الجوامع التي أسسها
في
الأستانة، وترك ورائه سمعة
مهيبة في العالمين الإسلامي والمسيحي. وقد أنشأ جسر معلق بين طرفي
إسطنبول في
القرن العشرين وأطلق عليه
اسم "
جسر السلطان محمد الفاتح"، كما تمّ
تمثيل السلطان في عدد من الكتب وأنشأ
مسلسل تلفزيوني يحمل اسمه، وظهرت صورته
على خلفية
العملة الورقية التركية من فئة الألف ليرة والتي
وضعت بالتداول من عام
1986 حتى عام
1992.
[99]